الجمعة، 3 أكتوبر 2025

من العطاء إلى العلم: رحلة نشأة الخدمة الاجتماعية كمهنة احترافية 🚀

هل تساءلت يومًا كيف تحوّل العمل النبيل لمساعدة المحتاجين من مجرد عمل خيري عابر إلى مهنة احترافية لها أسسها العلمية وأخلاقياتها الصارمة؟ إن قصة نشأة الخدمة الاجتماعية (Social Work) هي قصة تحوّل مجتمعي وفكري مُلهم.

لم تولد الخدمة الاجتماعية في يوم وليلة، بل مرت برحلة تاريخية طويلة، بدأت بالإحساس الإنساني وتكللت بالتنظيم الأكاديمي والمهني.


🌟 الجذور الأولى: الإحسان والرعاية الدينية

في البداية، كانت جهود مساعدة الفقراء والمهمشين تُمارس بشكل رئيسي من خلال المؤسسات الدينية والجمعيات الخيرية. كانت هذه الجهود تقوم على الإغاثة المباشرة وتوفير المأوى والغذاء، مدفوعة بالقيم الإنسانية والأخلاقية. كان هذا العطاء ضروريًا، لكنه كان غالبًا غير مُنظَّم ويفتقر إلى دراسة أسباب المشكلة.


💡 نقطة التحول: الثورة الصناعية وتعقيد المشكلات

شهد القرن التاسع عشر في أوروبا والولايات المتحدة تزايدًا غير مسبوق في المشكلات الاجتماعية. أدت الثورة الصناعية وما تبعها من هجرة للمدن، وتكدس سكاني، وظهور أحياء فقيرة، إلى تفاقم قضايا الفقر والبطالة والجريمة. أصبح واضحًا أن الأساليب الخيرية التقليدية لم تعد قادرة على التعامل مع هذا التعقيد الاجتماعي والبنيوي.

هنا بدأ التفكير يتجه نحو مقاربة أكثر تنظيمًا ومنهجية.


🏘️ الحركات الرائدة: التنظيم والسكن المشترك

ظهرت حركتان أساسيتان شكلتا الأساس المنهجي للخدمة الاجتماعية الحديثة:

1. جمعيات تنظيم الإحسان (Charity Organization Societies - COS)

بدأت هذه الحركة في سبعينيات القرن التاسع عشر بهدف "تنظيم" العمل الخيري ودمج الجهود المتفرقة. أدخلت هذه الجمعيات فكرة "الزائر الودي" (Friendly Visitor)، وهو شخص يتولى زيارة الأسر المحتاجة لـدراسة حالتها وتقييمها قبل تقديم المساعدة. هذا المنهج يمثل النواة الأولى لخدمة الفرد، حيث بدأ التركيز على التشخيص والمنهجية بدلاً من مجرد العطاء.

2. حركة بيوت الاستيطان (Settlement House Movement)

كان لهذه الحركة رؤية مختلفة، إذ ركزت على الإصلاح البيئي والمجتمعي. رائدة هذه الحركة، جين آدمز (Jane Addams)، أسست هيل هاوس (Hull House) في شيكاغو. لم يقدم العاملون في هذه البيوت مجرد إغاثة، بل عاشوا في الأحياء الفقيرة لـفهم المشكلات من الداخل، وعملوا على إنشاء برامج تعليمية وصحية، ودافعوا عن تغيير القوانين. هذا الاتجاه هو أساس تنظيم المجتمع والدعوة (Advocacy) في المهنة.


🎓 نحو الاحتراف: التأسيس الأكاديمي

جاءت القفزة النوعية في مطلع القرن العشرين، عندما أدرك الممارسون أن النجاح يتطلب تحويل الخبرة إلى علم مُنظَّم:

  • عام 1898: انطلاق أول دورة تدريبية صيفية في نيويورك، وهي البذرة الأولى للتعليم الأكاديمي للخدمة الاجتماعية.

  • عام 1917: ظهور عمل ماري ريتشموند (Mary Richmond) الرائد "التشخيص الاجتماعي" (Social Diagnosis). هذا الكتاب وضع أول إطار نظري ومنهجي لدراسة وتحليل حالة العميل، مُرسخًا بذلك التحول من العمل الخيري إلى الممارسة القائمة على العلم.

تُعدّ هذه اللحظة هي الإعلان الرسمي عن ميلاد الخدمة الاجتماعية كمهنة قائمة بذاتها، لها نظرياتها وطرائقها المتخصصة.


🚀 الخدمة الاجتماعية اليوم

لقد تجاوزت الخدمة الاجتماعية مرحلة الإغاثة لتصبح مهنة تطبيقية تعتمد على العلوم السلوكية والاجتماعية، وتعمل على مختلف المستويات (الفرد، الجماعة، والمجتمع). الأخصائي الاجتماعي اليوم ليس مجرد "فاعل خير"، بل هو خبير مُرخص يُحدث التغيير من خلال منهجية علمية، مُدافعًا عن حقوق الإنسان والعدالة الاجتماعية.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

حين يتكلم الألم…

🩺  حين يتكلم الألم… قصة حالة طبية كشف فيها الأخصائي الاجتماعي ما عجزت عنه الأجهزة 💠 وصف الحالة: سيدة تبلغ من العمر (42 عامًا) تُدعى “...