الأحد، 5 أكتوبر 2025

حين يتكلم الألم…

🩺 

حين يتكلم الألم… قصة حالة طبية كشف فيها الأخصائي الاجتماعي ما عجزت عنه الأجهزة


💠 وصف الحالة:

سيدة تبلغ من العمر (42 عامًا) تُدعى “مريم” (اسم مستعار)، مراجعة متكررة لقسم الطوارئ في أحد المستشفيات الكبرى تشكو من آلام صدرية شديدة وضيق في التنفس.
خضعت لجميع الفحوص الطبية الممكنة: تخطيط قلب، أشعة، تحاليل… وكانت النتائج دائمًا طبيعية تمامًا.

مع تكرار الزيارات وازدياد القلق لديها، تم تحويلها إلى قسم الخدمة الاجتماعية الطبية بناءً على توصية من الطبيب المشرف.


🧩 المقابلة الأولى:

استقبلها الأخصائي الاجتماعي بلغة داعمة وهادئة، وبدأ بجمع المعلومات وفق منهج المقابلة نصف الموجهة.
من خلال الإنصات الفعّال، لاحظ الأخصائي أن مريم تتحدث كثيرًا عن فقدان ابنها الوحيد في حادث سير قبل عامين، وعن شعورها بالذنب لأنها لم تستطع إنقاذه.
كانت تتحدث وهي تضع يدها على صدرها قائلة:

"كلما تذكّرته... أشعر أن صدري ينقبض، كأن قلبي لا يحتمل الفقد."

بدأ يتضح أن الألم الجسدي هو تعبير رمزي عن ألم نفسي غير معالج.


🧠 تدخل الأخصائي الاجتماعي:

اعتمد الأخصائي خطة تدخل مكونة من 5 مراحل:

  1. بناء العلاقة المهنية:

    – توفير بيئة آمنة غير حكمية.
    – استخدام مهارات الإصغاء، وعكس المشاعر، والتلخيص.
  2. التقييم الشامل:

    – تحليل العلاقة بين الأعراض الجسدية والانفعالات النفسية.
    – استخدام نموذج الطب الحيوي–النفسي–الاجتماعي (Bio-Psycho-Social Model) لتشخيص العوامل المترابطة.
  3. التدخل الإكلينيكي:

    – تطبيق العلاج الداعم (Supportive Counseling) والتنفيس الانفعالي (Catharsis) عبر التحدث عن الذكريات المؤلمة في بيئة آمنة.
    – استخدام تقنيات الاسترخاء التنفسي عند الشعور بالألم الجسدي.
    – تدريبها على استراتيجيات التعامل مع الذنب والحزن عبر إعادة صياغة الأفكار (Cognitive Reframing).
  4. التمكين الاجتماعي:

    – ربطها بمجموعة دعم للأمهات المفجوعات بإشراف الأخصائيين الاجتماعيين بالمستشفى.
    – تشجيعها على العودة التدريجية لمهاراتها الاجتماعية السابقة (كالعمل التطوعي).
  5. التقييم والمتابعة:

    – بعد 6 جلسات أسبوعية، انخفضت زياراتها للطوارئ بنسبة 90%.
    – عبّرت عن قدرتها على النوم والتعامل مع الذكريات دون ألم حاد.

🌿 الدروس المهنية المستفادة:

  • الألم الجسدي قد يكون لغة بديلة للتعبير النفسي المكبوت.
  • على الأخصائي الاجتماعي في المجال الطبي أن يمتلك مهارات التقييم النفسي الاجتماعي المتكامل.
  • التكامل بين الفريق الطبي والنفسي والاجتماعي هو ما يصنع الفارق في تعافي المريض.

شاركونا حالات تركت أثرا في نفوسكم عند تعاملكم معها في التعليقات

📚 المراجع:

  • ريزو، ف. م، وسيدمان، أ. (2017). ممارسة العمل الاجتماعي الطبي في المستشفيات: تأملات نقدية واتجاهات مستقبلية. العمل الاجتماعي في مجال الرعاية الصحية, 42(3)، 145–158.
  • الجمعية السعودية للخدمة الاجتماعية الصحية (2022). دليل الأخصائي الاجتماعي الطبي. الرياض: وزارة الصحة.
  • صليبي، د. (2006). منظور نقاط القوة في ممارسة العمل الاجتماعي. بوسطن: ألين وبيكون.


حالات لا تُنسى في مسيرة الأخصائي الاجتماعي الطبي


💠 الحالة الأولى: مريضة السرطان التي وجدت معنى جديدًا للحياة 💠 

في وحدة الرعاية التلطيفية بأحد المستشفيات، تم تحويل سيدة خمسينية تُدعى (س.م) إلى الأخصائي الاجتماعي بعد أن أبدت رغبتها في إيقاف العلاج الكيميائي، ورفضت التواصل مع الفريق الطبي أو أسرتها. كانت تقول:

“لقد تعبت… لا أريد أن أعيش بهذه المعاناة.”

🔹 التقييم الاجتماعي:

خلال المقابلة الأولى، لاحظ الأخصائي أن المريضة تعاني من حزن عميق، عزلة، وفقدان للمعنى بعد رحلة علاج طويلة. لم تكن المشكلة في الألم الجسدي فقط، بل في اليأس النفسي والشعور بفقد السيطرة على حياتها.
تبيّن أيضًا أن العلاقة بين المريضة وأسرتها أصبحت متوترة بسبب اختلافهم حول قرار العلاج.


🔹 التدخل العلاجي:

اعتمد الأخصائي الاجتماعي على منهج العلاج بالمعنى (Meaning-Centered Therapy)، وهو نموذج مستخدم في الرعاية التلطيفية (وفق دراسات Breitbart et al., 2010; American Cancer Society, 2021)، يهدف إلى مساعدة المريض على استعادة الإحساس بالهدف والمعنى رغم الألم.

التدخلات التي قام بها الأخصائي شملت:

  1. بناء العلاقة العلاجية والثقة:
    استمع الأخصائي للمريضة دون مقاطعة، مؤكّدًا على حقها في اتخاذ قراراتها، مما أعاد إليها الإحساس بالسيطرة.

  2. العمل على استكشاف المعنى:
    من خلال جلسات سرد حياتها، ساعدها الأخصائي على استحضار القيم التي منحت حياتها معنى — حبها لعائلتها، ورغبتها في ترك أثر طيب.

  3. دعم الروح المعنوية:
    استخدم الأخصائي تقنيات “رسائل الوداع” و“الرسائل المستقبلية للعائلة”، وهي تدخلات موثقة في الرعاية التلطيفية تساعد المرضى على التقبّل وإعادة التواصل مع أحبائهم.

  4. التنسيق مع الفريق العلاجي:
    نسّق الأخصائي مع الممرضة والطبيب النفسي لإشراك المريضة في برنامج دعم جماعي للمرضى ذوي الحالات المشابهة.
    بعد عدة جلسات، بدأت تتفاعل تدريجيًا، وتقول:

    “لم أتخلص من المرض… لكنني تصالحت معه.”


🔹 نتائج الحالة:

بنهاية الشهر الثاني من المتابعة، أصبحت المريضة أكثر تقبّلًا للعلاج التلطيفي، تشارك في لقاءات المرضى، وتدعم غيرها من المريضات الجدد.
تمكّن الأخصائي من تحويل مسار الحالة من اليأس إلى التكيّف الإيجابي، وهو أحد أهم مؤشرات النجاح في الخدمة الاجتماعية الطبية.


برأيك، ما المهارة الأهم التي يحتاجها الأخصائي الاجتماعي عند العمل مع مريض يمرّ بمرحلة متقدمة من المرض؟
هل هي القدرة على الإصغاء العميق؟ أم مساعدة المريض على إيجاد المعنى رغم الألم؟
شاركونا آرائكم وتجاربكم في التعليقات
👇 

🔹 المراجع:

  • Breitbart, W., Poppito, S. R., & Rosenfeld, B. (2010). Meaning-Centered Psychotherapy in the Cancer Setting: Finding Meaning and Hope in the Face of Suffering. Oxford University Press.

  • World Health Organization (WHO). (2022). Integrating palliative care and symptom relief into responses to humanitarian emergencies and crises.

  • National Association of Social Workers (NASW). (2021). Standards for Social Work Practice in Palliative and End of Life Care.

  • American Cancer Society. (2021). The Role of Oncology Social Workers in Supporting Patients.


دور الأخصائي الاجتماعي في العمل مع مرضى السرطان في مرحلة الرعاية التلطيفية


 

تمثل الرعاية التلطيفية إحدى أهم مراحل الدعم الصحي والنفسي والاجتماعي لمرضى السرطان، وتهدف إلى تحسين جودة الحياة للمريض وأسرته في مواجهة تحديات المرض.
وفي هذه المرحلة الحساسة، يلعب الأخصائي الاجتماعي دورًا جوهريًا يربط بين الرعاية الطبية والدعم الإنساني، من خلال العمل المهني المتكامل مع الفريق الطبي والمريض وذويه.


🌿 أولًا: فهم طبيعة الرعاية التلطيفية

الرعاية التلطيفية لا تقتصر على معالجة الأعراض الجسدية فحسب، بل تشمل الاهتمام بالاحتياجات النفسية والاجتماعية والروحية للمريض.
وهي تسعى إلى تخفيف المعاناة، وتعزيز الكرامة الإنسانية، ومساعدة المريض على التكيف مع واقع المرض المزمن أو المهدد للحياة.

ثانيًا: دور الأخصائي الاجتماعي في الرعاية التلطيفية 

🌿 أولًا: دور الأخصائي الاجتماعي مع المريض

يبدأ الأخصائي الاجتماعي عمله مع المريض من لحظة إدخاله إلى برنامج الرعاية التلطيفية، حيث يسعى إلى بناء علاقة مهنية قائمة على الثقة والاحترام والتفهم العميق لظروف المريض.
ويتضمن دوره مع المريض ما يلي:

  1. التقييم الشامل للحالة الاجتماعية والنفسية:
    يقوم الأخصائي بجمع معلومات دقيقة حول خلفية المريض الاجتماعية، حالته الاقتصادية، شبكة الدعم، ومدى تكيفه النفسي مع المرض، وذلك لتحديد الاحتياجات ووضع خطة تدخل مهنية متكاملة.

  2. تقديم الدعم النفسي والاجتماعي:
    يعمل الأخصائي على مساعدة المريض في التعبير عن مشاعره، والتعامل مع مشاعر الخوف والقلق والغضب التي ترافق تجربة المرض.
    كما يستخدم أساليب العلاج الجمعي أو الفردي لدعم التكيف وتعزيز الشعور بالقبول والكرامة.

  3. تعزيز التكيف والقبول الواقعي:
    يساعد الأخصائي المريض على تقبّل حالته الصحية تدريجيًا، والتعامل بإيجابية مع القيود الجسدية أو التغيرات في نمط الحياة، مما يسهم في تحسين جودة الحياة رغم وجود الألم.

  4. تمكين المريض من المشاركة في القرارات العلاجية:
    يشجع الأخصائي المريض على التعبير عن رغباته بوضوح فيما يتعلق بخيارات الرعاية والعلاج، ويضمن أن تُؤخذ قراراته بعين الاعتبار ضمن الفريق العلاجي، تحقيقًا لمبدأ التمكين الذاتي والاحترام الإنساني.


💞 ثانيًا: دور الأخصائي الاجتماعي مع الأسرة

تُعد الأسرة ركيزة أساسية في منظومة الرعاية التلطيفية، وغالبًا ما تواجه ضغوطًا نفسية واقتصادية واجتماعية بسبب طبيعة المرض ومساره الطويل.
وهنا يتدخل الأخصائي الاجتماعي ليكون الداعم والموجه للأسرة من خلال:

  1. تثقيف الأسرة حول طبيعة المرض والرعاية التلطيفية:
    يوضح الأخصائي لأفراد الأسرة أهداف الرعاية التلطيفية وأدوارهم المتوقعة، مما يقلل من الصدمة ويعزز التفاهم والتعاون بينهم وبين الفريق العلاجي.

  2. تقديم الدعم الانفعالي والعاطفي:
    يوفّر الأخصائي مساحة آمنة لأفراد الأسرة للتعبير عن حزنهم ومخاوفهم، ويساعدهم في التعامل مع مشاعر العجز أو الذنب أو الإنكار التي قد ترافقهم خلال رحلة المريض.

  3. تمكين الأسرة من مهارات الرعاية:
    يدرّب الأخصائي الأسرة على كيفية تقديم الرعاية اليومية للمريض بطريقة إنسانية تراعي كرامته واحتياجاته، ويزوّدهم بالمصادر والخدمات المتاحة مثل الجمعيات أو المراكز الداعمة.

  4. الدعم بعد الوفاة (مرحلة الفقد):
    بعد وفاة المريض، يستمر دور الأخصائي في مساندة الأسرة خلال فترة الحداد، وتقديم جلسات دعم تساعدهم على التأقلم وإعادة التوازن النفسي والاجتماعي تدريجيًا.


🤝 ثالثًا: دور الأخصائي الاجتماعي مع الفريق العلاجي

يعمل الأخصائي الاجتماعي ضمن فريق متعدد التخصصات يضم أطباء، ممرضين، أخصائيين نفسيين وروحيين، ومعالجين طبيعيين.
ويُسهم من خلال دوره في بناء بيئة علاجية متكاملة تحقق الاستجابة الشاملة لاحتياجات المريض. وتشمل أدواره ما يلي:

  1. المشاركة في التخطيط العلاجي:
    يقدّم الأخصائي رؤيته الاجتماعية والنفسية أثناء وضع الخطة العلاجية، ليضمن أن تكون القرارات الطبية متوافقة مع واقع المريض الأسري والاقتصادي والثقافي.

  2. التنسيق بين الخدمات والجهات المختلفة:
    ينسّق الأخصائي بين المستشفى والجهات المجتمعية أو الجمعيات الخيرية لتأمين احتياجات المريض من دعم مادي أو لوجستي، مما يعزز استمرارية الرعاية بعد الخروج من المستشفى.

  3. تعزيز التواصل داخل الفريق:
    يسهم في بناء روح التعاون والتفاهم الإنساني بين أعضاء الفريق، ويعمل على حل الخلافات المهنية أو سوء الفهم الذي قد يؤثر في جودة الخدمة المقدمة للمريض.

  4. المساهمة في التدريب والتثقيف المهني:
    يشارك الأخصائي في تدريب الكوادر الطبية والتمريضية حول الجوانب الاجتماعية والنفسية لمرضى السرطان، ويعمل على نشر ثقافة الرعاية الشاملة والرحيمة.


🌸 الخلاصة

إن الأخصائي الاجتماعي في مجال الرعاية التلطيفية لمرضى السرطان هو صوت الإنسانية في بيئة العلاج.
فهو لا يداوي الجسد فقط، بل يلمس القلوب، ويُعيد للمريض والأسرة إحساسهم بالكرامة والأمان في أصعب مراحل الحياة.
إنه حلقة الوصل بين الأمل والواقع، بين الطب والإنسان، ومن خلال دوره المهني المتكامل يسهم في جعل الرحلة العلاجية أكثر رحمة وإنسانية.


شاركنا رايك في المقال في التعليقات وحدثنا عن تجربتك ان كنت قد سبق لك التعامل مع حالة مشابهة؟ 

  المراجع  

Oncology and Palliative Social Work: Psychosocial Care for People Coping With Cancer — Susan Hedlund, Bryan Miller, Grace Christ, Carolyn Messner

 Oncology social workers’ involvement in palliative care: Secondary data analysis from nationwide oncology social workers survey


خياط، أفنان،.(2019)معوقات ممارسة الأخصائي الاجتماعي للرعاية التلطيفية مع مرضى السرطان وتصور مقترح للتعامل معها. رسالةماجستير، جامعة أم القرى،مكة المكرمة

القرني محمد, محمد و آخرون.(,الخدمة الاجتماعية الطبية والعمل مع مرضي السرطان. مكتبة الرشد. السعودية .

حين يتكلم الألم…

🩺  حين يتكلم الألم… قصة حالة طبية كشف فيها الأخصائي الاجتماعي ما عجزت عنه الأجهزة 💠 وصف الحالة: سيدة تبلغ من العمر (42 عامًا) تُدعى “...