عندما نتحدث عن الخدمة الاجتماعية، قد يتبادر إلى الذهن أولًا العطاء والجهد الإنساني النبيل. وهذا صحيح. لكن ما يرفع هذه الجهود إلى مستوى المهنة الاحترافية هو اعتمادها على قاعدة علمية ومعرفية راسخة.
الخدمة الاجتماعية ليست مجرد فن، بل هي علم تطبيقي يستمد قوته وفعاليته من مجموعة واسعة من النظريات والمفاهيم والأدلة البحثية. فما هي مكونات هذه القاعدة العلمية، وكيف تشكل ممارستنا؟
📚 أسس القاعدة المعرفية: الاقتباس والتكامل المعرفي
تتميز القاعدة العلمية للخدمة الاجتماعية بكونها تخصصًا تكامليًا (Interdisciplinary). فهي لا تنغلق على نفسها، بل تستعير وتدمج المعرفة من حقول معرفية متعددة لتكوين إطار شامل لفهم السلوك البشري والبيئة الاجتماعية.
1. العلوم السلوكية والنفسية والطبية
هذه العلوم هي أساس فهم الوحدة المستهدفة (الفرد والأسرة):
علم النفس (Psychology): ضروري لفهم النمو البشري، ونظريات الشخصية، وديناميكيات السلوك، وآليات التكيف مع الصدمات.
الطب والطب النفسي (Medicine & Psychiatry): يمكن الأخصائيين الاجتماعيين، خاصة في المجال الطبي والإكلينيكي، من فهم التشخيصات الطبية والنفسية، وتأثير الأمراض المزمنة والعقلية على الأداء الاجتماعي للعميل والتدخل المناسب.
2. العلوم الشرعية والقانونية
هذه العلوم تضمن ممارسة أخلاقية وشرعية وتكييفاً ثقافياً:
الشريعة الإسلامية والفقه: توفر الإطار الأخلاقي والشرعي للتعامل مع قضايا الأسرة، والميراث، والأوقاف، وقوانين الأحوال الشخصية، مما يضمن أن التدخلات تتوافق مع القيم والثقافة المحلية.
القانون والعدالة: لفهم الأنظمة القانونية التي تحمي حقوق العميل وتحدد إطار الممارسة (خاصة في مجالات حماية الطفل والعدالة الجنائية).
3. العلوم الاجتماعية والسياسات
هذه العلوم ضرورية لفهم المشكلات على المستوى الكلي والبيئي:
علم الاجتماع (Sociology): لفهم البنية الاجتماعية، والطبقات، والثقافة، والتغيرات المجتمعية التي تؤثر على حياة العميل.
العلوم السياسية والاجتماعية: لفهم كيفية صياغة وتطبيق السياسات الاجتماعية التي تؤثر على الرفاهية، والقدرة على الدعوة لتعديلها.
4. علوم التواصل وتنمية العلاقات
هذه العلوم أساسية لنجاح التدخل وبناء علاقات مهنية فعالة:
الإعلام والعلاقات العامة: تمنح الأخصائيين الاجتماعيين مهارات ضرورية في الدعوة (Advocacy) والتوعية العامة حول القضايا الاجتماعية، وكيفية بناء صورة إيجابية للمؤسسات (خاصة في تنظيم المجتمع).
التربية والاتصال (Education & Communication): تساهم في تطوير مهارات الإرشاد والتدريب والتثقيف الاجتماعي للعملاء، وتضمن بناء علاقات مهنية قائمة على الوضوح والثقة.
💡 الإطار النظري: عدسات الفهم والتدخل
تُستخدم النظريات كـعدسات علمية تساعد الأخصائي الاجتماعي على تشخيص المشكلة واختيار التدخل المناسب، مثل نظرية الأنساق (Systems Theory) والنظرية الإيكولوجية (Ecological Perspective)، واللتان تدمجان كل هذه المعارف المتعددة لفهم العميل ضمن محيطه الاجتماعي والبيئي.
🔬 الممارسة القائمة على الأدلة (EBP)
إن الالتزام بـالممارسة القائمة على الأدلة (EBP) يضمن أن الخدمات المقدمة ليست فقط إنسانية، بل هي أيضًا فعّالة وموثوقة وقابلة للقياس والتقييم، استنادًا إلى أفضل الأبحاث المتاحة من كل هذه الحقول المعرفية.
🚀 الخلاصة: إن القاعدة العلمية للخدمة الاجتماعية تؤكد أن الممارسة ليست عملاً ارتجالياً، بل هي عملية تحليلية ومنهجية تعتمد على هذا الثراء المعرفي لضمان التدخل الفعّال في مختلف بيئات الممارسة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق