الجمعة، 3 أكتوبر 2025

5معضلات تواجه الأخصائي الاجتماعي في العمل الميداني: فن اتخاذ القرار الأخلاقي ⚖️

5معضلات تواجه الأخصائي الاجتماعي في العمل الميداني: فن اتخاذ القرار الأخلاقي ⚖️

في قلب مهنة الخدمة الاجتماعية يكمن الالتزام بمجموعة من القيم الأخلاقية الراسخة. ومع ذلك، نادرًا ما تكون الحالات التي نتعامل معها واضحة باللونين الأبيض والأسود. غالبًا ما يجد الأخصائي الاجتماعي نفسه أمام معضلات أخلاقية حقيقية، حيث يتطلب اتخاذ قرار لدعم مبدأ التضحية بمبدأ آخر لا يقل أهمية.

دعونا نتعمق في أبرز 5 معضلات يواجهها الممارس الميداني وكيفية التعامل معها.


المعضلة 1: السرية (Confidentiality) مقابل الواجب الوقائي (Duty to Protect)

تُعد السرية حجر الزاوية في بناء الثقة مع العميل. لكن هذا المبدأ يهتز عندما يكتشف الأخصائي معلومة تشير إلى وجود خطر وشيك.

  • الموقف: يخبرك عميلك بمعلومات تفصيلية حول نيته إيذاء نفسه أو إيذاء شخص آخر، أو يكشف عن تعرض طفل للإساءة المستمرة.

  • الصراع الأخلاقي: الالتزام بالسرية لحماية العلاقة المهنية مقابل الواجب الأخلاقي والقانوني للحماية من الأذى.

  • آلية القرار: في هذه الحالة، يتفوق واجب الحماية على مبدأ السرية. يجب على الأخصائي الاجتماعي الإفصاح عن المعلومات للجهات المختصة (مثل الشرطة أو خدمات حماية الطفل) لإنقاذ الأرواح أو منع الضرر، مع توضيح هذا الاستثناء للعميل في بداية العلاقة المهنية (ما يسمى بـ حدود السرية).


المعضلة 2: تقرير المصير (Self-Determination) مقابل التدخل القسري (Coercive Intervention)

مبدأ تقرير المصير يمنح العميل الحق الكامل في اتخاذ قراراته الخاصة، حتى لو لم يوافق عليها الأخصائي. ولكن ماذا لو كانت هذه القرارات تهدد سلامته أو سلامة الآخرين؟

  • الموقف: عميل مسن أو يعاني من اضطراب نفسي يرفض تلقي الرعاية الطبية أو الدعم اللازم، مما يعرض حياته للخطر الوشيك، ولكن قدرته على الحكم على الأمور تبدو ضعيفة.

  • الصراع الأخلاقي: احترام قرار العميل باستقلاليته مقابل مسؤوليتنا عن حماية الأشخاص الذين قد يكونون غير قادرين على تقرير مصيرهم بكامل وعيهم (الأهلية).

  • آلية القرار: يجب تقييم أهلية العميل (Capacity) لاتخاذ القرار أولاً. إذا كان هناك شك حقيقي حول أهليته، فقد يتطلب الأمر تدخلًا قانونيًا أو مؤسسيًا مؤقتًا لحماية حياته، مع العمل على استعادة قدرته على تقرير مصيره بمجرد زوال الخطر.


المعضلة 3: العدالة الاجتماعية (Social Justice) مقابل الولاء للمؤسسة (Organizational Loyalty)

كأخصائيين، نلتزم بالدفاع عن العدالة الاجتماعية والعمل على تغيير الأنظمة الظالمة. لكن عملنا غالبًا ما يتم داخل مؤسسات تفرض قيودًا مالية أو إدارية.

  • الموقف: تعلم أن السياسات الداخلية لمؤسستك تضر بشكل غير عادل بمجموعة من العملاء (مثل تأخير صرف المساعدات أو نقص الموارد الأساسية)، في حين تطلب منك الإدارة الدفاع عن هذه السياسات.

  • الصراع الأخلاقي: واجب الدفاع عن حقوق العملاء وتحقيق العدالة مقابل التزامك تجاه وظيفتك وسلامتك المهنية في المؤسسة.

  • آلية القرار: ينبغي اتباع مسار تدريجي: الدفاع الداخلي (رفع المشكلة للمسؤولين في المؤسسة)، ثم التوعية الخارجية (إذا لم تُحل داخليًا وبشكل لا يعرض العملاء للخطر)، مع الحرص دائمًا على توثيق الأدلة واستخدام قنوات الإبلاغ الرسمية.


المعضلة 4: العلاقة المزدوجة (Dual Relationship)

تحدث العلاقة المزدوجة عندما يكون الأخصائي مرتبطًا بالعميل بأكثر من دور واحد، مثل أن يكون صديقًا أو قريبًا أو شريك عمل.

  • الموقف: تحتاج عائلة أحد أصدقائك المقربين لخدمة متخصصة، أو يعرض عليك عميل سابق فرصة عمل مربحة بعد انتهاء علاقة التدخل.

  • الصراع الأخلاقي: الرغبة في المساعدة أو تحقيق المنفعة الشخصية مقابل تجنب استغلال العلاقة المهنية، أو التأثير على الحياد اللازم لتقديم خدمة فعالة.

  • آلية القرار: يجب تجنب العلاقات المزدوجة قدر الإمكان. إذا كانت حتمية (في المجتمعات الصغيرة)، يجب توثيق القرار، والتشاور مع مشرف مهني، وضمان أن العلاقة الجديدة لا تؤدي إلى أي استغلال أو تحيز في الحكم المهني.


المعضلة 5: الموارد الشحيحة (Scarce Resources) وتوزيعها العادل

غالبًا ما تكون الموارد المتاحة (وقت الأخصائي، التمويل، مقاعد العلاج) محدودة جدًا مقارنة بالاحتياج المجتمعي الهائل.

  • الموقف: لديك قائمة انتظار طويلة لبرنامج دعم مكثف، لكن لديك عددًا محدودًا من المقاعد. عميل "أ" هو الأكثر احتياجًا لكنه أقل حافزًا، وعميل "ب" أقل احتياجًا لكنه يتمتع بحافز كبير وقد يستفيد سريعًا.

  • الصراع الأخلاقي: مبدأ الإنصاف والعدالة (مساعدة الأكثر ضعفاً) مقابل مبدأ الكفاءة (مساعدة من قد يحقق أفضل النتائج باستخدام الموارد المتاحة).

  • آلية القرار: يجب وضع معايير موضوعية وشفافة لتوزيع الموارد. هذه المعايير يجب أن توازن بين شدة الحاجة (العدالة) وبين احتمالية النجاح (الكفاءة)، ويجب تطبيقها بالتساوي على جميع المتقدمين.


مساحة للتأمل:

إن التعامل مع المعضلات الأخلاقية هو ما يجعل الخدمة الاجتماعية مهنة ديناميكية تتطلب المرونة الأخلاقية والاجتماعية. مفتاح التعامل مع هذه المواقف ليس إيجاد إجابة واحدة صحيحة، بل في اتباع عملية قرار منظمة تتضمن: التوثيق، التشاور المهني، وتطبيق مبادئ المهنة العليا.

ما هي أصعب معضلة أخلاقية واجهتك في عملك الميداني؟ شاركنا قصتك في التعليقات!

هناك تعليق واحد:

  1. شكراً للاستاذه افنان على هذا الطرح الرائع والمعلومات القيّمة التي أضافت لنا الكثير من الفائدة والإثراء المعرفي والطريقة المبسطه للمعلومه كما ننتظر من الزملاء مشاركتنا تحاربهم من ااميدان

    ردحذف

حين يتكلم الألم…

🩺  حين يتكلم الألم… قصة حالة طبية كشف فيها الأخصائي الاجتماعي ما عجزت عنه الأجهزة 💠 وصف الحالة: سيدة تبلغ من العمر (42 عامًا) تُدعى “...