في عالم الخدمة الاجتماعية، تُعتبر عملية التعاقد المهني من أهم المراحل التي تُبنى عليها الممارسة المهنية الناجحة.
فهي ليست مجرد اتفاق شكلي بين الأخصائي والمستفيد، بل هي عقد إنساني ومهني يحدد ملامح العلاقة، ومسؤوليات كل طرف، وأهداف العمل المشترك.
🌿 أولًا: ما هو التعاقد المهني؟
التعاقد المهني هو اتفاق صريح أو ضمني يتم بين الأخصائي الاجتماعي والعميل (أو الحالة) في بداية عملية التدخل المهني.
يتضمن هذا الاتفاق تحديد الأهداف، والخطة، والمدة، والضوابط الأخلاقية التي تحكم العمل بينهما.
إنه خطوة تُحوّل العلاقة من مجرد “مساعدة” إلى “شراكة مهنية” يسهم فيها الطرفان بوضوح واحترام.
🧭 ثانيًا: أهمية التعاقد في الممارسة المهنية
-
يوضح الأدوار والمسؤوليات
حتى لا يشعر المستفيد أن الأخصائي “صاحب القرار”، بل “شريك في الحل”. -
يعزز الثقة والشفافية
عندما يعرف العميل ما الذي سيحدث، ولماذا، وكيف — تقل مخاوفه، ويزيد التزامه. -
يحمي الأخصائي والمؤسسة
فوجود اتفاق واضح يحمي من التداخل في الأدوار أو من سوء الفهم المهني. -
يساعد في تقييم النتائج
لأن الأهداف محددة من البداية، يمكن لاحقًا قياس مدى تحققها بوضوح.
🪞 ثالثًا: خطوات عملية التعاقد المهني
1. التهيئة والتوضيح
قبل التعاقد، يقوم الأخصائي بتوضيح:
-
طبيعة عمل المؤسسة.
-
حدود السرية المهنية.
-
دور كل طرف في العملية.
مثال:
“ما سنتفق عليه اليوم هو خطة نعمل عليها سويًا لمساعدتك على تحقيق أهدافك، وستبقى كل المعلومات التي تذكرها سرّية ضمن إطار العمل المهني.”
2. تحديد الهدف العام والفرعي
يُناقش الأخصائي مع العميل ما الذي يرغب في تحقيقه، مع تحويل رغباته إلى أهداف قابلة للقياس.
مثال:
الهدف العام: تحسين قدرة العميل على التكيف مع مشكلات العمل.
الهدف الفرعي: تطوير مهارات إدارة الوقت وضبط القلق المرتبط بالضغوط المهنية.
3. تحديد الأساليب والإجراءات
يتفق الطرفان على نوع المساعدة المقدمة مثل:
-
جلسات إرشادية أسبوعية.
-
أنشطة تدريبية.
-
إحالة لجهات دعم أخرى عند الحاجة.
4. تحديد المدة الزمنية
يُحدد عدد الجلسات أو المدة التقريبية للعمل المهني، مع إمكانية التمديد أو التعديل حسب التقدم المحرز.
مثال:
“سنعمل معًا لمدة شهرين، بمعدل جلسة أسبوعية، ثم نراجع مدى التقدم ونحدد الخطوة التالية.”
5. تأكيد الالتزام والسرية
يُوقَّع العقد من الطرفين (إن كان مكتوبًا)، أو يتم الاتفاق شفويًا في الحالات غير الرسمية.
ويُوضَّح فيه أن:
-
المعلومات تُستخدم فقط لغرض المساعدة المهنية.
-
للأخصائي حق الإنهاء المهني للعلاقة إذا تعارضت مع مبادئ العمل.
💡 رابعًا: خصائص التعاقد المهني الجيد
-
واقعي وقابل للتطبيق.
-
يركز على احتياجات العميل لا رغبات الأخصائي.
-
مرن وقابل للتعديل عند الحاجة.
-
مكتوب بلغة واضحة يفهمها المستفيد.
🌸 خامسًا: التحديات التي تواجه الأخصائي أثناء التعاقد
-
مقاومة العميل أو عدم وضوح أهدافه.
-
ضعف دعم المؤسسة لمرحلة التعاقد.
-
تدخل أطراف خارجية (أسرة – إدارة – جهة إحالة).
-
صعوبة الموازنة بين السرية والشفافية.
وهنا يظهر دور الأخصائي المحترف في إدارة الموقف بحكمة ومهنية.
🌻 سادسًا: التعاقد كقيمة إنسانية قبل أن يكون إجراءً مهنيًا
في نهاية الأمر، التعاقد ليس مجرد وثيقة بل هو التزام أخلاقي يقوم على:
-
احترام الإنسان.
-
تعزيز قدرته على اتخاذ القرار.
-
حماية كرامته وخصوصيته.
فهو إعلان نوايا مشتركة نحو التغيير الإيجابي و التمكين المستدام.
🖋️ خاتمة
التعاقد المهني هو أول خطوة في طريق التغيير،
وهو المرآة التي تعكس مدى وعي الأخصائي الاجتماعي بأخلاقيات المهنة،
ومدى احترامه لإنسانية المستفيد وشراكته في الحل.
🌿 كل علاقة مهنية ناجحة تبدأ باتفاق صادق، وبقلب يؤمن أن الإنسان يستحق أن يكون جزءًا من قرارات حياته
📄 نموذج مصغّر لعقد مهني بين الأخصائي الاجتماعي والعميل
اسم الأخصائي الاجتماعي: .....................................................
اسم العميل (الحالة): .....................................................
تاريخ بدء العمل المهني: .....................................................
الجهة أو المؤسسة: .....................................................
🔹 أولًا: الهدف العام من التعاقد
الاتفاق على خطة مهنية تهدف إلى مساعدة العميل في التعامل مع المشكلة التي يواجهها، من خلال جلسات مهنية منظمة تركز على تنمية قدراته وتمكينه من اتخاذ قرارات إيجابية في حياته.
🔹 ثانيًا: الأهداف الفرعية
-
..............................................................................
-
..............................................................................
-
..............................................................................
🔹 ثالثًا: أساليب التدخل المقترحة
-
جلسات إرشادية/علاجية أسبوعية لمدة ( ) أسابيع.
-
مشاركة العميل في أنشطة دعم أو تدريب مناسبة.
-
التنسيق مع جهات خارجية عند الحاجة (بعد موافقة العميل).
🔹 رابعًا: مدة التعاقد
تم الاتفاق على أن تستمر العلاقة المهنية لمدة ( ) جلسات، قابلة للتمديد أو التعديل حسب التقدم في الخطة.
🔹 خامسًا: الالتزامات المتبادلة
-
يلتزم الأخصائي الاجتماعي بالحفاظ على السرية التامة لما يُطرح في الجلسات، إلا في الحالات التي تتطلب الإبلاغ القانوني لحماية العميل أو الآخرين.
-
يلتزم العميل بالحضور المنتظم، والصدق في عرض المعلومات، والمشاركة الإيجابية في تنفيذ الخطة.
-
يحق لأي من الطرفين مراجعة أو تعديل بنود التعاقد وفقًا للمستجدات.
🔹 سادسًا: تأكيد الالتزام
تمت مراجعة بنود هذا التعاقد، ووافق الطرفان على ما ورد فيه من أهداف وإجراءات والتزامات.
توقيع الأخصائي الاجتماعي: ...............................................
توقيع العميل: ............................................................
تاريخ التوقيع: ............................................................
🕊️ هذا النموذج يُستخدم كمرجع تدريبي وتوعوي، ويُعد مثالًا إرشاديًا يمكن تكييفه حسب سياسات المؤسسة وطبيعة الحالة.
أخبرنا عن تجربتك لممارسة عملية التعاقد في الميدان في التعليقات؟
📚 قائمة المراجع الكاملة
-
رشوان، عبد المنصف. (2015). ممارسة الخدمة الاجتماعية مع الأفراد والأسر. القاهرة: دار الفكر العربي. ص. 142–145.
-
القرني، محمد مسفر، عوض، أحمد محمد. (2019). الأساليب العلاجية في ممارسة الخدمة الاجتماعية. جدة: دار الزهراء للنشر. ص. 97–103.
-
الخشاب، مصطفى. (2003). أسس الخدمة الاجتماعية ومجالاتها. القاهرة: مكتبة النهضة المصرية. ص. 217–220.
-
العطا، عبد الله. (2012). مهارات الممارسة المهنية في الخدمة الاجتماعية. عمّان: دار صفاء للنشر. ص. 160–170.
-
عبد الباقي، علي. (2010). أخلاقيات المهنة في الخدمة الاجتماعية. عمّان: دار المسيرة. ص. 120–128.
-
رشوان، عبد المنصف، القرني، محمد مسفر. (2018). المداخل العلاجية المعاصرة للعمل مع الأفراد والأسر. القاهرة: دار الفكر العربي. ص. 198–203.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق